مي كامل
دوما هي اشارة مرور تلك التي تحدث لنا وقفة، وقفة سيارة كانت مسرعة لتصبح سيارة متوقفة تماما، تشرد بذهنك قليلا، تعبر بذهنك سنين واعوام اعوام جميلة تحمل ذكريات تفرض عليك بسمه تنبت من بين ثغرك وسنين يكاد يتفطر قلبك حزنا لما حدث فيها او حزنا عليها ما الفرق؟
لم تكن اشارة مرور واحدة تلك التي تخترق طريقها من الجامعة للمنزل ، بل كانت بضعة اشارات مختلفة، اعتادت ان تسير لكوبر الدقي لتنتظر ذلك الاتوبيس اللعين الذي لا ياتي ابدا في موعده، احتارت الاف المرات في فكرة العقاب الالهى بالاتوبيس، كانت تختبر الفرضيات يوميا فتارة ياتي في ميعاده فتعلم ان الرب ربما يكون راض عنها وتارة يتأخر فتتدراك الامر وتفكر سريعا "ياترى ايه الذنب اللى عملته النهاردة؟"
ولان الانسان لا يحيى بلا ذنوب فكانت تخرج بالذنب فورا "أأأه يبقى اكيد عشان كدة.. يارب عاهدتك مش هعمل كدة تاني" تستغفر ربها وتتمتم ببضعة ادعية حفظتها الذاكرة على اكمل وجه ثم تكمل انتظار.. وتبدأ في عملية من السرح المتواصل على مدار ساعة ونصف هو مدة الطريق منذ لحظة وصول الاتوبيس وحتى نزولها عند معرض السيارات الذي تسكن اعلاه!
(1)
توقف الاتوبيس لانتظار الاشارة وشردت قليلا او ربما اكملت ماكانت شاردة به منذ اول الطريق منذ لحظة الانتظار، بدأت كعادتها بحساب الوقت الزمني الذي تحتاجه لتتمكن اخيرا من شراء سيارة صغيرة ترحمها من تلك المواصلات ومن فكرة الانتظار ، تنتقل لفكرة ان الوقت يمر سريعا ولا داعي للانتظار فليس له مكان في الحياة، ثم تسرح بفكرة وردية تتخيل فيها مقاعد سيارتها والكنبة وهي ممتلئة باصداقائها لتقوم هي بتوصيلهم كل الى منزله لترحمهم هم الاخريات من المواصلات لتشعر بالفخر فيما بعد انها قد استخدمت السيارة لاسعاد من حولها، تفكر في موقف صعب سيأتي عليها حينما ستشفق على أحد اصدقائها من الشباب على ركوبه مواصلات وتضطر لتوصيله.. وموقفها امام الناس وهي تركب هي وهو وحدهما!.. تفق من احلامها على ابتسامة واشارة وتحية لصديقة كانت معها بالمدرسة وبالصدفة وجدتها في الاتوبيس.
(2)
كعادة أية احاديث بين أناس افترقوا.. يسرد كل منهم في الانجازات التي اجتاحته في اعوامه الاربعه التي تخلفا فيها عن مقابلة بعضهما البعض.. تبدا في سرد كلامها بطريقة حديث جديدة.. تطعمها ببضعة الفاظ لم يكن اعتاد عليها لسانها منذ اربعة اعوام.. تلمح في عيني رفيقة الدراسة ارتفاعا قليلا في الحاجب الايمن وتعزي ذلك لتعجبها من تطور شخصيتها.. تصمت قليلا وتسرح في فكرة هايفة وهي انها لم تتقن ابدا رفع الحاجب الايمن وحده.. دوما الحاجب الايسر فقط ثم ما تلبث ان تذكر ان لكل امكانياته فتصمت قليلا لتعطيها الفرصة لتستعرض ماحدث لها.. وبالمناوبة تبدأ الاخرى في الحديث والسرد.. تعلم انها تعمل الان وهي تدرس وانها قد احبت هي التي كانت الفتاة الوحيدة في الفصل التي كانت تتهم المحبين بالسفه.. يمر الاتوبيس سريعا على الكورنيش ولا تعلم هي لماذا اكتسبا هما الآخرتين السرعة في الحديث.. وكأنهما يحاولا اللحق بما تبقى لهم من آخر دقائق معا!
(3)
تنتهي كل منهما من الحكي والسرد.. يبتسمان لبعضهما البعض.. يأتي صديقتها رنين الهاتف وترد على حبيبها الذي منذ قليل كانت تحكي كيف انها تعشقه.. تتحدث معه بدلال دافيء.. تبتسم وتوميء برأسها حينا وكأنه يجلس امامها.. في خبث واضح تهمس له بأنها ليست وحدها وماهي الا ثانيتين وتغلق الهاتف.. ثم بابتسامة دافئة اخرى وقبلتين على الخدين ثم "احب اشوفك تاني.. سلام" "وانا كمان ولله.. باي"
تشعر وكانها للتو قد خرجت من آلة الزمن التي اخذتها في رحلة عبر أربع أعوام من عمرها.. تشعر وكانها تنفض عنها غبار مشقة الرحلة.. تشعر بالراحة والرضى عما آلت اليه.. هي ايضا تحب ولكنها لن تسمح لاحد بان يقتحم حياتها العشقية الخاصة.. لم تؤمن بمن يصرخ بالحب.. تجد في ذلك رياء كبير.. تتنهد وتتمتم "وانا مالي"
تفتح كتابها.. وتلقي نظرة على غلاف الرواية التي تعشقها وتعشق غلافها تقولها "الحب في المنفى" وتشرع فيما توقفت عنده!